عقب أزمة اللجوء… من هم اللاجئون غير المرحب بهم في بولندا؟

2 يناير 2023512 مشاهدةآخر تحديث :
لاجئين
لاجئين

عقب أزمة اللجوء… من هم اللاجئون غير المرحب بهم في بولندا؟

ألمانيا بالعربي – متابعات

استقبل من فر من اللاجئين الأوكرانيين هرباً من فظائع العدوان الروسي بحفاوة وترحيب حار، إذ فتحت الحدود بين بولندا وأوكرانيا التي تمثل الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي الشرقية، ليتدفق إليها عدد هائل ممن تقطعت بهم السبل. ولكن على بعد بضعة مئات من الكيلومترات شمالاً، يتعرض اللاجئون، ومعظمهم من جنوبي الكرة الأرضية، ممن يحاولون عبور الحدود البولندية – البيلاروسية، لمعاملة مختلفة، إذ هنالك أسلاك شائكة وجدار عازل يمنعهم من دخول تلك الدولة، وحتى لو حاولوا عبور هذه العوائق ونجحوا في ذلك، هنالك من يصدهم ويمنعهم من الدخول، ولكن ما الذي يكمن وراء هذين النهجين المختلفين؟

دولة أم منظمة غير حكومية
خلال الشهر الأول الذي أعقب الغزو الروسي لأوكرانيا، زاد عدد سكان وارسو بنسبة 17%، بعدما تحولت بولندا إلى ثاني أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم، إذ فيها نحو 2.6 مليون أوكراني من أصل 4.6 ملايين نسمة، وهؤلاء هربوا من أوكرانيا خلال أول شهرين من الحرب، ووجدوا ملاذاً آمناً لهم في بولندا، فيما بقي هناك 1.5 مليون نسمة في الوقت الراهن.

أصاب هذا التدفق المفاجئ للاجئين السلطات البولندية بالدهشة على الرغم من أنها رفضت إعادة توطين اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط منذ عام 2015، متذرعة بأن عليها أن تعد العدة في حال تصعيد الحرب في أوكرانيا. وعلى الرغم من عدم جاهزيتها، إلا أن الحكومة البولندية سرعان من مدت يد العون للأوكرانيين عبر تسهيل إجراءات عبور الحدود، مع تأمين وسائط نقل مجانية لهم، وتمكينهم من الحصول على رقم هوية شخصية بولندية بما يتيح لهم الحصول على خدمات التعليم والرعاية الصحية والدخول لسوق العمل، فضلاً عن تلقيهم لمساعدات مالية.

1
بولندا تكمل الجدار الحدودي مع بيلاروسيا لإيقاف دخول اللاجئين
إلا أن سر وقوف بولندا لتكون على قدر التحدي يرجع للالتزام الاستثنائي الذي أبداه المجتمع المدني والناشطون والناشطات من أبناء الشعب، وذلك لأن بولنديين من مختلف أنحاء بولندا استقبلوا اللاجئين عند الحدود وقدموا لهم غرفاً في بيوتهم، وساعدوهم في التغلب على الإجراءات البيروقراطية، ونظموا حملات تبرع كما قاموا بطهي وجبات لهم، وافتتاح محال تجارية تقدم لهم بضائعها بالمجان، إذ بحسب ما ذكرته كارولينا جيزناتش وستيفين لودكي فإن: “إن النزوح الذي قد تصبح بولندا ضحيته التالية على يد الإمبريالية الروسية قد غير البلد وحولها إلى منظمة عملاقة غير حكومية”.

النية الطيبة ليست كافية
تبدو بولندا حتى الآن وقد اجتازت امتحان التضامن، ولكن ثمة مخاوف تشير إلى أن أحسن النوايا وأفضل الأبواب المفتوحة قد لا تكفي لمساعدة اللاجئين على المدى البعيد، كما أن التضليل الإعلامي الروسي المنتشر على وسائل التواصل البولندية لم يحسم الأمور بعد، وذلك لأن الأوكرانيين الذين يصلون إلى بولندا يمثلون فئات مستضعفة للغاية، ومعظمهم من النساء والأطفال والعجائز.

أي أن الحاجة للمساعدة كبيرة، ولكن قد يظهر بين المتطوعين أيضاً أشخاص يحملون نوايا سيئة، ولهذا ينبغي التحقق من عدم وجود أي محكوم بين المتطوعين، وهنا يجب أن تتعاون الدولة على تحقيق ذلك، لأن تعاونها حاسم في هذا السياق.

عبر كثير من اللاجئين عن رغبتهم بالبقاء والعمل في بولندا نظراً لقربها الجغرافي والثقافي واللغوي من أوكرانيا، ولكن على الرغم من تدني نسب البطالة في بولندا والتي تعتبر الأدنى ضمن الاتحاد الأوروبي، إلا أنه من الصعب على سوق العمل استيعاب كل تلك الأعداد، إذ يقدر أن بوسعه استيعاب خمس عدد الأوكرانيين الراغبين بالعمل فقط.

على صعيد ثان، لم تفكر الحكومة البولندية بمسألة إعادة توطين اللاجئين في دول أوروبية أخرى، إلا أنها تتوقع أن تمدها تلك الدول بمساعدات مالية مقابل ذلك، ولهذا حذرت منظمات غير حكومية من التمويل الذي سيزداد وسيصل إلى أيدي شركاء ومنظمات محلية تعمل على خطوط التماس بدلاً من أن يصل ذلك ليد الحكومة.

وثمة خطر آخر يتمثل باحتمال قيام الشعبويين باستغلال تلك التحديات الناشئة عن موجة اللاجئين المفاجئة (بما أن بعض تلك الجماعات قد فعلت ذلك) لتقوم بإثارة مشاعر الكراهية بما أن بولندا تواجه اليوم مشكلات حساسة خطيرة، أهمها ارتفاع نسبة التضخم، وعدم تقديم التمويل الكافي للخدمات العامة، وتراجع عدد العاملين في القطاع الطبي ليصبح الأدنى بين دول الاتحاد الأوروبي، وانخفاض نسبة الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية ليصبح الأدنى ضمن الاتحاد الأوروبي، وارتفاع بدلات الإيجار ونقص عدد الشقق المخصصة للسكن، بيد أن تلك المظالم التي تدور حول الامتيازات التي يحصل عليها الأوكرانيون بعيدة إلى حد ما عن كل ذلك، لكن التأييد الشعبي لهم قد انحسر.

إذ في الوقت الذي عبر فيه 90% من البولنديين عن تفاؤلهم حيال اللاجئين الأوكرانيين في نيسان 2022، ورحب 71% منهم باستقبال اللاجئين في بولندا، ترسم تحقيقات أخرى صورة قاتمة، كونها تبين أنه على الرغم من دعم البولنديين للقضية الأوكرانية، إلا أنهم صاروا يشعرون بالغبن مع اللاجئين الأوكرانيين للأسباب التي تحدثنا عنها سالفاً. ولهذا لابد من معالجة هذه المشكلة في الوقت المناسب لتجنب ظهور أي توتر اجتماعي وتحوله إلى حرب سياسية خلال الانتخابات البرلمانية التي ستجري في عام 2023.

اللاجئون المرحب بهم
ثمة أسباب عديدة دفعت للترحيب باللاجئين الأوكرانيين، وعلى رأسها أن هاتين الدولتين السلافيتين الجارتين تشتركان بالكثير من الروابط الثقافية واللغوية والتاريخية.

وعشية الشتات الذي تسببت به الحرب في أوكرانيا، والذي وصل إلى بولندا، ليبلغ نحو المليون نازح، أصبح الأوكرانيون يشكلون أكثر من 50% من الطلاب الأجانب في بولندا، بما أن الموجة الأولى من اللاجئين الأوكرانيين فرت إلى بولندا لتستجير بأقاربها وأصدقائها هناك، وذلك لأن غالبية البولنديين لديهم صديق أو قريب في أوكرانيا، بيد أن هذا لا يعني بأن العلاقة خالية من أي تمييز، إذ هنالك حالات كثيرة تعرض خلالها العاملون الأوكرانيون لانتهاكات أو لتعليقات سلبية وغير صحيحة على المستوى السياسي.

ثمة عنصر آخر يوحد بين هاتين الدولتين وهو العدو المشترك، إذ بخلاف هنغاريا، لطالما عبرت بولندا عن كرهها للنخبة السياسية الروسية طوال عقود، هذا إن لم يطل ذلك لقرون. إذ يخشى البولنديون أن يأتي دور بلدهم بعد أوكرانيا فتعتدي عليها روسيا، ولهذا تعاطفوا مع محنة أوكرانيا إلى حد بعيد. ولهذا وخلال الأيام التي تلت الهجوم الروسي، أصبحت رفوف الكثير من المحال في شرق بولندا خاوية، كما تشكلت طوابير طويلة أمام أجهزة الصرافات الآلية ومحطات الوقود.

كما أصبح البولنديون بالآلاف يقدمون أوراقهم للحصول على جوازات سفر جديدة، بالرغم من أن معظمهم لم يسمع عن الحرب إلا في كتب التاريخ، إلا أن ذكريات الحرب العالمية الثانية ماتزال حاضرة بقوة لدى الذاكرة الجمعية البولندية، ولهذا اعتبر كثيرون العدوان الروسي الظالم على أوكرانيا مماثلاً لما شهدته بولندا، عندما اعتدت عليها ألمانيا النازية، وما أعقب ذلك من احتلال سوفييتي لبولندا تحت ستار “مساعدة دولة شقيقة” ضد النازيين.

وأخيراً وليس آخراً، إن وضع اللاجئين القادمين من أوكرانيا أتى ملائماً للصورة الرومانسية التي رسمت حولهم، وذلك لأن أغلبهم نساء وأطفال، أي أنهم أجدر باللجوء في عيون كثيرين، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن الأوكرانيين من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18-60 لم يسمح لهم بمغادرة البلد.

اللاجئون غير المرحب بهم

يظهر الترحيب الحار الذي حظي به الأوكرانيون تناقضاً واضحاً في المعاملة بينهم وبين اللاجئين على الحدود البولندية-البيلاروسية، حيث مايزال كثيرون عالقين هناك. إذ كثيراً ما يبلغ حرس أمن الحدود البولندي عن عمليات صد من جراء “عبور غير شرعي لبولندا” وذلك على الحدود البولندية – الروسية من قبل أشخاص قدموا من اليمن وإثيوبيا وسوريا وأفغانستان، وهي دول مزقتها نزاعات وتعاني من ظروف إنسانية غاية في السوء.

منذ بداية عام 2021 وحتى 19 كانون الأول من هذا العام، حاول 15 ألف شخص دخول الأراضي البولندية من بيلاروسيا، إلا أن الترحيل بالنسبة لأغلبهم يعادل الحكم عليهم بالموت، ومعاناتهم لم تمر مرور الكرام بالنسبة للمنظمات الأوكرانية التي كتبت رسالة مفتوحة للحكومة البولندية وحرس الحدود البولندي توسلت إليهم فيها بمعاملة هؤلاء الأشخاص كما يتم التعامل بقية اللاجئين.

ثمة عنصر حاسم للتمييز في المعاملة بين اللاجئين وهو تدخل السلطات وتسييس القضية، إذ على الحدود مع أوكرانيا، لم تقم الحكومة البولندية سياجاً ولا جداراً فاصلاً كما لم تجرم أي محاولة يقوم بها الأهالي أو الإعلام أم الأطباء أو المتطوعين لمساعدة اللاجئين، ولم تحرم المنظمات غير الحكومية من الوصول إلى تلك المنطقة الحدودية، على الرغم من أن هذه الممارسات هي المتبعة على بعد بضع مئات من الكيلومترات شمالاً.

ثم إن الحكومة البولندية وإعلامها الرسمي سرعان ما وصفوا اللاجئين القادمين من جنوبي الكرة الأرضية بالمهاجرين الخطرين وغير الشرعيين الآتين لأسباب اقتصادية، وبأن من أرسلهم هو الديكتاتور البيلاروسي الذي يكرهه الجميع ويحتقره، أي ألكساندر لوكاشينكو، وذلك بهدف زعزعة الاستقرار في بولندا. بيد أن السبب الأخير صحيح، ولهذا دعمت معظم الدول الأوروبية بولندا، إلا أن فكرة تعرض هؤلاء الأشخاص للاحتيال والخداع وتحولهم دون علمهم أو موافقتهم إلى بيادق بيد لوكاشينكو يستخدمها لإطفاء لهيب ثأره، لم يعر لها أي أحد اهتمامه.

وعلى الرغم من ذلك قدم كثيرون المساعدة لهؤلاء اللاجئين حتى بوجود عواقب قانونية تترتب على ذلك وتجرم حالة التضامن، إذ هنالك بولنديون من أبناء المنطقة أخذوا يقدمون الطعام للاجئين ويستقبلونهم في بيوتهم، كما صار متطوعون من مختلف أنحاء بولندا يبحثون عن اللاجئين في الغابات المتاخمة لمنطقة الطوارئ الخاصة وذلك ليساعدوهم على تقديم طلب لجوء مع تقديم ألبسة دافئة وأطعمة لهم، لدرجة أن البعض منهم قطعوا الأسلاك الشائكة على الحدود لمساعدتهم.

كما خرجت مظاهرات عارمة في كبرى المدن البولندية والقرى الصغيرة القريبة من منطقة الطوارئ دعماً للاجئين، ونشرت نتائج لاستطلاعات الرأي في مطلع كانون الثاني 2022 لتشير لوجود 72% من البولنديين الذين يؤيدون فكرة تقديم المساعدة غير القانونية للاجئين.

إلا أن هذا لا يعني بأن السياسات العدائية التي خرجت بها الحكومة البولندية لم تحظ بأي دعم من قبل بعض الشرائح داخل المجتمع البولندي، وذلك لأن بولندا من أشد الدول الأوروبية تجانساً من الناحية العرقية والدينية، إذ نادراً ما تجد فيها شخصاً يعرف مسلماً أو أحداً من الشرق الأوسط، لذا فإن كل المعلومات التي تصلهم عن الإسلام والشرق الأوسط تأتيهم من إعلامهم ومن كتب التاريخ المدرسية.

في تلك الدولة ذات الغالبية المسيحية، وقعت أهم حادثة تاريخية ما يزال يحتفى بها حتى اليوم، وهي معركة فيينا ضد الإمبراطورية العثمانية في عام 1683، والتي جعلت الكثير من القوميين البولنديين يعتبرون أنفسهم حصناً للعالم المسيحي، لذا، على الرغم من التغطية الإعلامية الواسعة للحرب في سوريا واليمن وأفغانستان إلا أن تلك الدول والحروب تبدو بعيدة وغير مفهومة بالنسبة لأي مواطن بولندي عادي.

حري بالذكر هنا هو أن بولندا استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين الشيشان المسلمين، بما أن الدين لم يكن يحتل منزلة مهمة في الخطاب العام وقتئذ، إلا أنه سيس خلال العقد الماضي.

بولندا كبلد للهجرة

خلال العقود الماضية، أصبحت بولندا دولة يهاجر الناس عبرها وليس إليها، إلا أن السنوات القليلة الماضية أظهرت بأن ذلك التوجه قد تغير، بيد أن السلطات والمجتمع قد لا يكونون منتبهين لذلك أو على استعداد لتقبل هذه التغيرات المستمرة.

لا يمكن اعتبار التجانس العرقي والثقافي والديني لبولندا ميزة فيها بالضرورة، وذلك لأن قضية اللاجئين يتم تحويلها للأسف إلى سلاح لتحقيق مكاسب سياسية، وهذا ما أثر على الموقف الشعبي حيالها.

ظهر ذلك خلال عام 2015 عندما أيد غالبية البولنديين فكرة تقديم الدعم للاجئين ثم غيروا موقفهم بشكل جذري عندما تحولت القضية إلى فكرة هيمنت على الحملة الانتخابية لحزب القانون والعدالة، لذا ما علينا إلا أن نتمنى للانتخابات البرلمانية في بولندا خلال عام 2023 ألا تسير على ذلك المنوال.

المصدر: Fair Observer

ترجمة : تلفزيون سوريا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليقان
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
  • Merhaba wasem
    Merhaba wasem منذ سنة واحدة

    أريد الهجره لي اي بلد كان انا وزوجتي

  • Merhaba wasem
    Merhaba wasem منذ سنة واحدة

    اريد الهجره انا وزوجتي

الاخبار العاجلة