نقطة اللاعودة.. كيف يعبر اللاجئون السوريون من صربيا إلى أوروبا؟
ألمانيا بالعربي – متابعات
لعل معظم من أجبرته الظروف الصعبة على اتخاذ قرار اللجوء إلى أوروبا بعد خروجه من سوريا قد مر بصربيا، الدولة التي تعد نقطة اللاعودة في الطريق إلى الدول الأوروبية الغنية في شمال وغرب القارة العجوز لتقديم طلب اللجوء.
وتعد صربيا من الدول التي يصنفها صندوق النقد الدولي من دول الانتقال الاقتصادي، التي تتحول من الاقتصاد المخطط مركزياً إلى اقتصاد السوق، إذ يهيمن على الاقتصاد الصربي قطاع الخدمات ويأتي بعده قطاع الصناعة والزراعة ما يجعلها بلدا غير مفضل للاجئين الباحثين عن مساعدات مالية وبداية حياة جديدة.
ولا تعيد صربيا اللاجئين والمهاجرين القادمين إليها بطريقة غير شرعية، إنما تضع من تلقي القبض عليهم في مخيمات ممولة من الاتحاد الأوروبي.
قصص كثيرة تسمعها من اللاجئين العابرين من صربيا إلى “جنة أوروبا”، إنهاك شديد وتعب وخوف وجوع يظهر على وجوههم، وثيابهم الرثة، وروائح أجسادهم التي اشتاقت إلى حمام ماء ساخن في أجواء بلغراد الباردة بين درجتي 0 و2 مئوية، بعد نحو أسبوع من الانطلاق في رحلة لجوء تؤرخ لبداية حياة مختلفة.
حاول موقع “تلفزيون سوريا” متابعة تفاصيل رحلة اللجوء من تركيا إلى أوروبا مروراً ببلغاريا (أو اليونان ثم مقدونيا) ثم صربيا وانطلاقاً منها إلى المجر (هنغاريا) أو كرواتيا ومنها إلى النمسا ثم ألمانيا أو هولندا أو السويد أو الدول الأوروبية الأخرى.
ومع صعوبة مرافقة اللاجئين السوريين في رحلتهم ابتداءً من تركيا إلى بلغاريا، حصل موقع “تلفزيون سوريا” على بعض الشهادات الحية من لاجئين سوريين وصلوا إلى العاصمة الصربية بلغراد.
ورغم أن “بلغراد” لا يأتي إليها اللاجئون بكثرة مقارنة بالمدن الحدودية والتي تقل فيها الكلفة والتعرض للاعتقال، ولكن بعض المهربين يعتمدونها ويرسلون منها اللاجئين إلى الحدود مع هنغاريا.
اللاجئون في ساحات بلغراد
قرب محطة باصات السفر وسط بلغراد يتجمع العشرات من اللاجئين مع أحد المهربين علناً ويدفعون له من 1800 إلى 3600 يورو للذهاب إلى إحدى الدول الأوروبية مثل ألمانيا أو هولندا ويزيد المبلغ في حال كانت الدول المقصودة أبعد مثل السويد أو النرويج أو بريطانيا.
وقال عزيز السراوي أحد المهربين الذين تواصل معهم موقع “تلفزيون سوريا” في صربيا عبر تطبيق الواتساب، إن سعر التوصيل من بلغراد إلى ألمانيا 2800 يورو، أما السعر إلى هولندا فيبدأ من 3500 يورو، وإلى السويد 4000 يورو.
وأضاف أن الطريق بمعظمه سيارات ولكن يوجد نحو 7 كيلومتر سيراً على الأقدام لتجاوز الحدود الصربية المجرية المليئة بالحراس والمراقبة الدقيقة.
وأكمل أن لديه طرقاً من الحدود البلغارية الصربية إلى أي دولة في أوروبا، والأسعار من 3000 يورو إلى 3800 يورو، بحسب دولة اللجوء المراد الذهاب إليها.
وأكّد أن المدينة الأساسية للخروج من صربيا إلى هنغاريا هي سومبور، وتبعد عن بلغراد نحو الساعتين ونصف بالباص أو السيارة.
توجهنا إلى محطة الباصات في العاصمة بلغراد، للحصول على تذكرة إلى مدينة سومبور، وكان سعر التذكرة يبدأ من 13 إلى 16 يورو للذهاب، ومن 20 إلى 24 للذهاب والإياب.
لا يطلب الموظف العامل في المحطة والذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة أي وثائق منك سوى سعر التذكرة المطلوبة والوقت المحدد لها، وفيش معدني للدخول إلى رصيف الحافلات، يُضاف إلى تلك المبالغ 1 أو 2 يورو في حال كان معك حقيبة سفر يأخذها قائد الحافلة.
شهادة حية واعتداءات
بثياب سوداء وأحذية رياضية بيضاء غير أصلية وحقائب ظهر تنتشر مجموعات من اللاجئين السوريين ودول أخرى في حدائق قريبة من مركز بلغراد، ينتظرون قدوم المهرب أو يخططون لرحلتهم القادمة.
التقطنا العديد من الصور والفيديوهات التي توثق تجمع اللاجئين السوريين في عدد من ساحات وحدائق العاصمة الصربية بلغراد، وفيديو آخر يوثق تعرض أحد اللاجئين للضرب والكدمات في طريق لجوئه من تركيا إلى بلغاريا، إذ تعرض للاعتداء من قبل حرس الحدود البلغاري بشكل وحشي.
وقال عبد الوهاب حسن، الذي كان يحمل بطاقة الحماية المؤقتة التركية (ولاية بورصة)، ولكن الحملة الأمنية الأخيرة على ولاية إسطنبول التي كان يعمل بأحد معامل الخياطة فيها، دفعته لأن يغادر تركيا من غير رجعة وفق وصفه.
وأضاف حسن في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” أن المهرب في تركيا أخذ منه مبلغ 5000 يورو مقابل (الشيفرة) من إسطنبول إلى صربيا، ولكن حرس الحدود البلغاري ألقى القبض علينا مرتين ونجحت المحاولة في المرة الثالثة.
وأشار إلى أن حرس الحدود تعرض له ولرفاقه بالضرب المبرح وخلعوا معظم ثيابهم وسرقوا حقائبهم وجوالاتهم، وبدت الزرقة على أيدي ووجه حسن.
وفي المرة الثالثة اجتزنا الحدود التركية البلغارية وقطعنا الأراضي البلغارية عبر الغابات سيراً على الأقدام، ثم نقلتنا السيارات إلى الحدود الصربية، وبعد اجتيازها سيراً لخمس ساعات تقريباً، جئنا بالسيارات إلى بلغراد.
وأكّد أنه بصدد التجهيز للسفر إلى هولندا مروراً بهنغاريا والنمسا وألمانيا، عبر السيارات، والمهرب أكّد له أن المبلغ لن يتجاوز 3500 يورو.
المقابلة المصورة التي أجراها موقع “تلفزيون سوريا” مع حسن حُذفت لأن قوات الأمن الصربي صادرت الهاتف وحذفت جميع الصور والفيديوهات التي التقطناها في صربيا، ولم نتمكن من استعادتها، ثم حصلنا على بعض الصور البسيطة الأخرى في أثناء بحثنا عن تجمعات لاجئين آخرين.
ولا شك أنه من الصعب أن تحصل على رخصة عمل صحفي في صربيا من أجل إجراء تقارير عن اللاجئين السوريين أو المهاجرين من دول أخرى.
الإقامة في بلغراد لأيام
تعد صربيا من دول المعسكر الشرقي التي كانت محسوبة على الاتحاد السوفييتي، والقبضة الأمنية شديدة خصوصاً حين كانت مركزاً لجمهورية يوغسلافيا تحت حكم الجنرال جوزيف تيتو الذي حكم 37 عاماً، ولكنها حالياً بوضع أفضل، بحسب بيتر الذي يملك نُزلاً (هوستل) يؤجر غرفه الرخيصة مقارنة بالفنادق للسياح الشباب والعابرين من بلغراد.
وقال بيتر لموقع “تلفزيون سوريا”، تعد صربيا الآن نقطة عبور أساسية للاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، خصوصاً الهاربين من الحرب في سوريا وأفغانستان وإيران والدول الأفريقية.
وأضاف بيتر الذي تحدث إلينا رغم توجسه من الفكرة، أن “صربيا بالطبع لا يمكن البقاء فيها، فالحياة صعبة جداً هنا، صحيح أن بلغراد أرخص من باريس أو برلين أو فيينا، ولكن إن حصلت على المساعدة والسكن ثم حق اللجوء لا شك أفضل من البقاء هنا بمبلغ 15 يورو على الأقل في الليلة الواحدة دون طعام أو شراب”.
وتبدأ أسعار الأسّرْة في غرف مشتركة (تتسع لستة أو سبعة أسرّة) في بلغراد من 15 يورو، وتبدأ من 25 يورو لغرفة خاصة مع حمام مشترك، ومن 33 يورو لغرفة خاصة مع حمام خاص.
لم يلتق موقع “تلفزيون سوريا” بأي سوري في “الهوستيلات” التي زارها، ولكن كان هناك بعض الأفغان والأتراك والروس والمغاربة، الذين يخططون لاستكمال طريقهم إلى أوروبا لتقديم طلبات اللجوء فيها.
ورغم تدني درجة الحرارة ينام بعض اللاجئين في الطرقات أو يركبون بالترامواي بحثاً عن قليل من الدفء والراحة ذهاباً وإياباً.
مخيمات تفتقر لكل شيء
لا يمكن مغادرة صربيا دون مهرب، هذا ما يقوله أكثر اللاجئين السوريين وحتى من دول أخرى، لأن المهربين يسرحون ويمرحون في شوارع بلغراد ومدن صربيا الأخرى، ولا شك أن هناك اتفاقاً بين المهربين وشخصيات نافذة في الشرطة وحرس الحدود.
وأسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن يلقى القبض عليك في صربيا لأنه “يزج بك في أحد المخيمات السيئة والمكتظة باللاجئين والمهاجرين من كل مكان، وتفتقر لأدنى معايير النظافة أو الخدمات، هي ليست للبشر” بحسب محمد بشير الذي تواصلنا معه عبر تطبيق الواتساب.
ويبلغ عدد المخيمات الممولة من الاتحاد الأوروبي في صربيا نحو 19 مخيماً بطاقة استعابية قصوى لا تتجاوز الـ 6 آلاف شخصاً، فيما يقضي الكثير من اللاجئين لياليه في البرد بالغابات القريبة من الحدود.
وكلما زاد التشديد ازدهر عمل المهربين الذين يطلبون أسعاراً أعلى من قبل، خاصة إن كان الشخص مرمياً في أحد المخيمات التي لا يوجد بمعظمها مكان للنوم.
ويتعرض اللاجئون بشكل عام في المخيمات للابتزاز، إذ يطلب منهم المسؤولون في المخيم أعمال تنظيف مرهقة مقابل وجبات طعام رديئة، ويتعرضون كذلك لعمليات نصب واحتيال من قبل المهربين الموجودين هناك.
وفي حزيران الماضي، كشفت تحقيقات نشرها موقع (بلقان إنسايت) “Balkan Insight” عن تورط صربي سوري يعمل مترجماً لدى “مفوضية اللاجئين والهجرة” (التابعة للحكومة الصربية) بالاتجار بالبشر وانخراط أعضاء من الشرطة الصربية بشبكات التهريب.
الحكومة الصربية أكدت من جهتها على “جهودها لمحاربة وتفكيك شبكات التهريب”، معلنة عن توقيف واعتقال مهربين في أثناء تفكيك مخيم عشوائي للمهاجرين مطلع شهر تشرين الثاني 2022 في قرية سبرسكي كرشتر.
كل من تواصل معه موقع “تلفزيون سوريا” أكّدوا على حدوث اعتداءات من قبل حرس الحدود الصربي والهنغاري، ورغم أن البعض لديه الكثير من محاولات العبور الفاشلة إلا أن لديهم تصميما حقيقيا للوصول إلى دول اللجوء.