ألمانيا بالعربي
أمام عقبات اللغة والاندماج.. تبديل الاختصاصات المهنية للسوريين في أوروبا
لا تنتهي فصول معاناة اللاجئين السوريين صوب القارة الأوروبية بمجرد عبورهم إلى أراضيها، فلمعاناة الراغبين باللجوء أشكال مختلفة ولعل أهمها تنمية مهارات المهاجرين وكيفية اندماجهم في سوق العمل.
ورغم أن مهارات ومؤهلات كثير من هؤلاء قد تمت تنميتها في البلد الأم، إلا أن ذلك لا يكفي لتحديد مدى قدرتهم على الاندماج الاقتصادي أو الاجتماعي، وقد لا تشير إلى مستوى أدائهم أو نجاحهم في سوق العمل.
على سبيل المثال، وليس الحصر، يعتبر المتعلمون أو أصحاب الشهادات من السوريين خصوصا في دول اللجوء الأوروبي الحلقة الأضعف حيث لا يتمكن الطبيب والصيدلاني أو المهندس أو الصحافي وغيرهم من ممارسة مهنته في أغلب دول القارة العجوز، كما إن معظم أصحاب الشهادات يعملون في أعمال حرة أو مشروعات صغيرة في دول اللجوء الجديدة.
المتعلمون أو المثقفون السوريون لم يتمكنوا في وقت سابق من التأقلم مع الواقع في دول الجوار، ولم يفلح معظمهم بالحصول على فرصة عمل تلائم شهاداتهم الجامعية، فاكتفوا بممارسة بعض النشاطات التجارية، ولهذه الأسباب كان المثقفون والمتعلمون من أوائل المهاجرين عبر البحر المتوسط نحو “الحلم الأوروبي”، إلا أن أغلب اللاجئين السوريين، لم يجدوا مكانا حقيقيا لهم في دول اللجوء هذه.
فعندما جاء الطبيب والمهندس وحملة الشهادات بمختلف فروعها تم اقصاؤهم أو منعهم من مزاولة اختصاصاتهم، أو تم وضع شروط صعبة أمامهم لدخول سوق العمل، بينما وجد أرباب المهن والحرف فرصا لهم في المدن الأوربية المختلفة.
حاجة ماسة لليد العاملة
ورغم سهولة تعايش السوريين في المجتمعات الجديدة، إلا أن عوامل أخرى مختلفة لم تسهم حتى الآن في توفير فرص عمل لهم، بل إن الفرص تكاد تكون معدومة تماما في بعض المهن، إلا أنه وكأي سوق عمل آخر، ثمة مجالات في سوق العمل الأوروبي يمكن وصفها بأنها متعطشة دائما لليد العاملة، لاسيما في قطاعات الصناعة والبرمجيات والصحة.
ولأن المتخصصين في هذه القطاعات لا يملكون حظوظا قوية للحصول على فرصة عمل تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم العلمية وخبراتهم، لذلك يقبل السورية بفرص عمل أخرى لا تتناسب مع مؤهلات معظمهم، يحفزهم على ذلك ثقافة متوارثة تعلي قيمة العمل، وتذم العاطلين، فضلا عن حوافز تتعلق بتحسين الوضع المالي والقانوني.
وحسب ماجاء على موقع ”الحل نت ” من خلال استطلاع عينة من الآراء.
حيث يقول الصحافي والكاتب ثائر الناشف معلقا: “بلا شك تتوفر في سوق العمل الأوروبية الكثير من الفرص وفي مختلف المجالات، فهي سوق معدلات النمو الاقتصادي فيها جيدة، مقابل معدلات نمو سكانية منخفضة وأحيانا سلبية، لهذا تبقى معظم دول الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة لليد العاملة، والتي تعوضها من خلال استقدام الناس عبر طرق مختلفة أبرزها تقديم التسهيلات للطلبة الأجانب الدارسين في جامعاتها بعد تخرجهم، ومنحهم عقود عمل وإقامات، أو من خلال قبول طلبات الهجرة واللجوء إليها، أو عبر عقود عمل مع عمال من دول معينة”.
وتابع “في ظل هذا المشهد العام، تبدو فرص اللاجئين السوريين في أوروبا قوية للحصول على فرص عمل، وفقا لقوانين العمل النافذة، والتي يحصل فيها العامل على عقد عمل يتضمن واجباته وحقوقه كافة”.
ثمة اختصاصات أخرى تبدو فيها فرص العمل قليلة، كالمحاماة والعلوم الإنسانية والإعلام وبعض الاختصاصات الهندسية، وتظهر الحاجة الماسة هنا لتعلم لغة بلد الإقامة، فعلى سبيل المثال كيف لصحفي لا يتقن لغة البلد الأوروبي الذي يقيم فيه أن يعمل في وسائل اعلام هذا البلد، وماذا سيفعل محام لم يدرس القانون في هذا البلد، وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على المعلمين بمختلف الاختصاصات، هنا المعضلة تبدو مركبة، والكلام لـ”الناشف”، إذ أن الكثيرين حصلوا على تعديل لتحصيلهم العلمي وشهاداتهم الجامعية، لكن عائق اللغة يقف حائلا أمام حصولهم على فرصة عمل تتوافق مع اختصاصهم، وهؤلاء يبذلون جهودا من أجل إتقان اللغة الجديدة من خلال الدورات الممولة من الحكومات الأوروبية، لكن هذا أمر ليس بالسهل ويحتاج متابعة لا حدود لها.
توجهوا لتبديل اختصاصاتهم
ويعتقد الناشف أنه من الطبيعي في ظل صعوبات تعلم اللغة وإتقانها بشكل جيد، فإنه من الطبيعي أن يبحث اللاجئ السوري في أوروبا عن فرص عمل أخرى، إذ لا يمكن له البقاء الى الأبد معتمدا على المساعدات الاجتماعية. هذا أمر مرفوض من حكومات البلدان المضيفة ومرفوض أيضا من السوري الذي اعتاد على العمل ويعتبره قيمة بحد ذاتها، ولايمكنه أن يرضى العيش بالحد الأدنى من المساعدات الاجتماعية التي توزع على العاطلين عن العمل.ويواصل “في سوق العمل الأوروبية لا يوجد ما يسمى توظيف اجتماعي، بل عمل منتج، وعقود عمل واضحة، وقد أدرك السوريون ذلك، وتوجهوا لتبديل اختصاصاتهم لاسيما كبار السن منهم الذين يصعب عليهم إتقان اللغة بما يتناسب مع هذه السوق، السوق لا تنتظر أحدا، بل على العمال أن يتقنوا مهارات تتطلبها، ويبحثوا عن احتياجاتها”.
الجنسية حلم يداعب مخيلة الكثير من السوريين
قيمة العمل في أوروبا والدخول الكافية إضافة الى حب السوري للعمل، أمور تجعله يبحث عن الفرص التي تناسبه، متطلعا في الوقت ذاته إلى أن يقوي عقد العمل موقفه في الحصول على الإقامة الدائمة أو حتى الجنسية.
وفي هذا السياق، يوضح الباحث الاقتصادي ثامر قرقوط لـ “الحل نت” أن هناك شريحة واسعة من السوريين لا يهمها نوع العمل المتاح في السوق الأوروبية، طالما أنها ستحصل من خلاله على الجنسية، لأنها أصبحت حلما يداعب مخيلة الكثيرين، إضافة إلى العائد المالي المجزي لبعض المهن ذات الطبيعة الشاقة أو التي تحتاج إلى مجهود بدني كبير، أما الاندماج في المجتمعات الأوروبية من خلال العمل، فهذا آخر ما يفكر به السوريون في الوقت الراهن.
ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن الفرص المتاحة أمام السوريين في أوروبا تختلف حسب العمر، فالشباب دون الخامسة والعشرين عاما لديهم فرص أكبر من أقرانهم الذين تجاوزوا سن الثلاثين، أما الوظائف المتاحة، فيمكن الحديث هنا عن المشروعات الخاصة وهي مشروعات عمل صغيرة أو متوسطة، كالمطاعم والمقاهي الشعبية التي يملكها أصحاب رؤوس الأموال، ويعمل فيها الشباب الذين لم يستطيعوا إيجاد فرص لهم في سوق العمل الأوروبي.
وتابع قرقوط: “ثمة وظائف أخرى متاحة لأصحاب الكفاءات العلمية كالأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان، وهناك قبول واعتماد لهم في معظم البلدان الأوروبية نظرا لحاجة قطاعها الصحي الماسة للكوادر الطبية، وقد حظي معظم الأطباء السوريين بدعم كبير من سوق العمل سواء لجهة تعديل شهاداتهم وفق القوانين المحلية، أو لجهة إدماجهم السريع في سوق العمل”.
وبحسب قرقوط فإن أصحاب الشهادات العليا من أمثال؛ المهندسين والمحامين والصحافيين والمدرسين، يواجهون صعوبات بالغة في العثور على فرص العمل التي تناسب اختصاصهم وكفاءاتهم المهنية، فمعظمهم لا يجد نفسه أمام سوق العمل إلا عاطلا عن العمل، أو مضطرا للانخراط في مهن خدمية وشاقة لا تتناسب مع عمره ولا حتى مع شهاداته، فيما يتجه البعض الآخر للعمل الأسود غير المسجل في سبيل أن يحفظ كرامته، حتى لا يرغم نفسه على ممارسة مهن لا “تليق به” كأعمال التنظيف وورشات البناء.