أمر خطير شرق ألمانيا.. هل يدفع لاجئين للفرار منه؟
ألمانيا بالعربي – متابعات
في السنوات الأخيرة، يواجه العديد من طالبي اللجوء والمهاجرين مواقف عنصرية قد تنعكس على الحياة اليومية. مثل الهجوم الذي وقع على مركز إيواء للاجئين في مدينة لايبزيغ في ولاية ساكسونيا قبل أيام. فما سبب تصاعد كراهية الأجانب هناك؟
“انتبه أنت في الولاية الأكثر عنصرية في ألمانيا”، هذه واحدة من عبارات التحذير التي سمعها محمد وهو طالب سوري يعيش في لايبزيغ الواقعة في ولاية سكسونيا الألمانية. وغالباً ما تصنف ولاية ساكسونيا، التي تقع في أقصى شرق ألمانيا وعلى الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك، على أنها من أكثر الولايات الألمانية في نسبة جرائم العنف ضد المهاجرين في السنوات الأخيرة، حتى أن عاصمتها دريسدن شهدت حادثة شهيرة هزت العالم، وهي مقتل صيدلانية مصرية، على يد مواطن ألماني، بـ 18 طعنة داخل قاعة المحكمة في عام 2009.
قبل أيام، شهدت مدينة لايبزيغ، والتي تعتبر من أكبر مدن ولاية ساكسونيا، اعتداءات عنصرية في حيث ألقى مجهولون عبوات حارقة على مأوى للاجئين ليلة الجمعة/السبت (26/27 آب/أغسطس 2022). وذكر المكتب الإقليمي للشرطة الجنائية في ولاية ساكسونيا بشرق البلاد أن قوات الأمن تمكنت من إخماد الحريق سريعا، ولم تقع سوى أضرار طفيفة، دون أن يصاب أحد. وفر الجناة عقب ارتكاب الجريمة، ولا تستبعد الشرطة وجود دوافع سياسية وراء الهجوم. ويذكر أن المأوى الذي يقع في حي لاوزن-غروناو يضم 225 مكانا للاجئين.
كما تناولت بعض الصحف الألمانية المحلية مؤخرا حادثة عنصرية وقعت في مدينة لايبزيغ أيضا، حيث تم رفض طلب رجل يدعى (ميشال بيدا) مع زوجته وابنته لاستئجار حديقة في (إلينبرورغ) شمال شرق لايبزيغ من قبل مجلس إدارة نادي حديقة “Grüner Fink”، والسبب أن الرجل ليس لديه جواز سفر ألماني. الأمر الذي تسبب بغضب الابنة ودفعها لنشر القصة التي وصفتها بـ “تصريح عنصري” وتصرف تعسفي ضد والدها، على صفحتها في الفيسبوك مشيرة إلى أن والدها يعيش منذ 10 سنوات في ألمانيا ويتحدث خمس لغات كما أنه يتمتع بسجل نظيف. بحسب ما نشرته صحيفة (لايبزيغر فولكس تسايتونغ LVZ).
التمييز العنصري في شرق ألمانيا..
وقد كشفت نتائج دراسة نشرت في أيار/ مايو 2022 أن قرابة 45 في المائة تعرضوا لحادثة عنصرية مرة واحدة على الأقل في حياتهم، بينما قال 22 في المائة من المشاركين في الدراسة إنهم يتعرضون للعنصرية بشكل مباشر.
واعتمدت الدراسة التي أجراها المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة “DeZIM” في برلين على استطلاع آراء 5 آلاف شخص، قال 65 في المائة منهم إنهم “يعتقدون أن مشكلة تمييز عنصري تنبع من سلطات الدولة في ألمانيا”.
وفي السياق، كشفت الدراسة أن المسلمين واليهود والمنحدرين من أصل إفريقي أو آسيوي ومهاجري أوروبا الشرقية والغجر هم “المجتمعات التي غالباً ما تعاني من التمييز العنصري في ألمانيا”. بحسب ما نشره موقع صحيفة “تسايت” الألمانية.
هذه الدراسة وغيرها تؤكد على وجود ظاهرة العنصرية في ألمانيا وخاصة الولايات الشرقية ولذلك أسباب حسبما يوضح رشدي شياحي وهو صحفي متابع للشأن الألماني، في حواره مع مهاجر نيوز. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها ألمانيا بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية لمكافحة العنصرية بكافة أشكالها، إلا أن الأمر مازال يشكل تحديا كبيرا يستدعي جهدا أكبر لمحاربة ظاهرة العنصرية التي تهدد المجتمع، وتبث الخوف خاصة في شرق المانيا أو بما يسمى محليا لدى الألمان بالمقاطعات الجديدة. وهي المقاطعات التي كانت تشكل جمهورية ألمانيا الشرقية سابقا.
و قال: ” كانت نتائج استطلاعات لدراسة قامت بها جامعة لايبزيغ في شهرأيار / مايو 2020 قد أظهرت ان العنصرية في غرب ألمانيا سجلت تراجعا في نسبة الأشخاص الذين لديهم نظرة يمينية متطرفة من 5.2 في المائة إلى 3 في المائة، إلا أنها ارتفعت في الشرق من 8.5 في المائة إلى 9.5 في المائة”. وتابع: ” قد يكون تاريخ شرق ألمانيا لاعبا أساسيا في تشكل النظرة العامة حول الأجانب، حيث لازال سكان الشرق الألماني يشعرون بأنهم مهمشون مقارنة بنظرائهم بغرب ألمانيا وأن كل وافد جديد هو تهديد لمناصب عملهم ما يعني تهديدا اقتصاديا وتهديد لثقافتهم المحافظة”.
كما أشار إلى أن الشرق الألماني يعتبر المعقل الأهم للأحزاب اليمينية على غرار حزب البديل الذي يقدِّم نفسه على أنه الحزب الذي يمثل مصالح ألمانيا الشرقية والتي حقق بها فعلا نتائج كبيرة بسبب استثماره في الخوف واستغلاله قضايا الرأي العام مثل الهجرة والتنوع الاجتماعي والبيئي.
مكافحة العنصرية!
أما محمد الذي تلقى الكثير من التحذيرات من العيش في لايبزيغ شرق ألمانيا فكانت تجربته مختلفة. فالطالب السوري يعمل بدوام جزئي في أحد المطاعم المعروفة في المدينة. يصف محمد المدينة بقوله “مدينة هادئة وجميلة.. لا أفكر بالانتقال منها”. وتابع في حواره مع مهاجر نيوز أنه عند وصوله في بداية الأمر إلى ألمانيا تقدم بطلب اللجوء في لايبزيغ بمحض الصدفة، وأنها لم تكن اختياره. حتى أن خطته الأساسية بعد أن يحصل على الإقامة، كانت مغادرة لايبزيغ والانتقال إلى الولايات الغربية بناء على ما سمعه من معارفه في تلك المناطق ومن التحذيرات الي يتلقاها بسبب وجوده في لايبزيغ “إنها مدينة فقيرة وعنصرية ستعاني الأمرين يجب أن تتنقل منها بسرعة”. غير أن محمد قد رأى ما هو عكس بعد مضي ما يقارب 3 سنوات من إقامته في المدينة، قائلاً إنه لم يتعرض لموقف عنصري “مصيري” في لايبزيغ أبدا، “ألقى معاملة لطيفة غالبا حتى خلال متابعتي للمعاملات الرسمية التي يشتكي منها كثير من اللاجئين.. وحتى وسط العمل.. الناس لطفاء”. واستدرك : “بالطبع قد واجهت بعض المواقف السلبية ولكن أعتقد أنها فردية ولا تختلف عما قد نتعرض له في بلدنا الأم”.
ويرى شياحي، أن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة على مستوى الولايات الاتحادية وعلى المستوى المحلي، من أجل تقديم تربية مكثفة تواجه العنصرية وتدعم قيم التسامح و التعايش. وقال لمهاجرنيوز: ” يلاحظ ذلك حتى في المدارس الحكومية التي تخصص تظاهرات لمكافخة العنصرية”. مؤكدا على أن جهود المجتمع المدني بدعم من الدوائر الرسمية وغير الرسمية لا يمكن تجاهلها في محاربة العنصرية، و هناك بألمانيا مؤسسات عديدة تعمل في مواجهة العنصرية والتطرف اليميني، “دون أن ننسى الدستور الألماني الذي يحمي كرامة الانسان التي تشكل أساسا مهما للعيش المشترك”.