ألمانيا بالعربي
ازدياد عمليات اعتراض المهاجرين قبالة سواحل تونس ومراكز إيواء مكتظة جنوب البلاد
مع ازدياد انطلاق رحلات الهجرة من سواحل شمال إفريقيا باتجاه القارة الأوروبية، تحرص الحكومة التونسية على تعزيز مراقبتها الأمنية وتعلن بشكل شبه يومي عن إحباط محاولات الهجرة تلك. “عام استثنائي” بحسب وصف الهلال الأحمر التونسي، تحاول فيه السلطات تشديد الرقابة على حدودها البحرية واعتراض المزيد من المهاجرين، الأمر الذي يؤدي إلى اكتظاظ مراكز الإيواء.
في حصيلة جديدة نشرتها الثلاثاء الماضي وزارة الداخلية التونسية، أعلنت السلطات عن إحباط أكثر من 110 محاولات لاجتياز الحدود البحرية والبرية خلال الأسبوع الماضي فقط، وألقت القبض على أكثر من 1100 شخص.
أرقام إحباط محاولات الهجرة تتوالى في بيانات صادرة عن وزارة الداخلية بشكل شبه يومي، في خطوة تحاول فيها الحكومة إظهار سيطرتها على ملف الهجرة غير الشرعية. وبينما نجح أكثر من 8 آلاف مهاجر في الوصول إلى أوروبا منذ بداية عام 2021، أحبطت السلطات التونسية عمليات اجتياز لأكثر من 12 ألف مهاجر غير نظامي، خلال هذا العام، بنسبة ارتفاع تتجاوز 54% مقارنه بالعام السابق.
ومنذ توليه السلطة في العام 2019، يؤكد رئيس الجمهورية قيس سعيد على أن مكافحة الهجرة غير الشرعية تندرج ضمن أولوياته. مشددا على أن تونس عازمة على إيجاد حل شامل لقضية الهجرة غير الشرعية وتفكيك شبكات الإتجار بالبشر.
هذا الموقف الصارم من الحكومة التونسية لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الرغبة الأوروبية في منع المهاجرين من الوصول إليها، عبر إبرام اتفاقيات مع دول شمال أفريقيا، لاسيما ليبيا وتونس والمغرب.
في صيف العام 2020، أبرمت إيطاليا وتونس اتفاقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وخصصت روما لها مساعدات بقيمة 11 مليون يورو لتعزيز الرقابة على الحدود التونسية، لا سيما البحرية.
كجزء من برنامج “إدارة الحدود المغاربية”، تظهر وثيقة للاتحاد الأوروبي تخصيص 24.5 مليون يورو ستفيد “بشكل أساسي الحرس البحري الوطني التونسي”. كما تتعاون وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” مع خفر السواحل التونسي من خلال رصد قوارب المهاجرين عبر صور الأقمار الصناعية والرادارات والطائرات من دون طيار.
ومع الضغوطات الأوروبية المتزايدة والمساعدات المادية التي تتلقاها الدولة، تحاول تونس إثبات قدرتها على إدارة الحدود والحد من انطلاق القوارب.
اكتظاظ مراكز الإيواء
لكن الضغوطات الأوروبية وازدياد عمليات الاعتراض لمنع انطلاق رحلات الهجرة، أدت إلى أوضاع معيشية سيئة في مراكز الإيواء، لاسيما جنوب البلاد، وباتت تشهد اكتظاظا هائلا يفوق طاقتها الاستيعابية. خلال خمسة أيام فقط في حزيران/يونيو الماضي وحده، استقبلت مراكز الإيواء في ولاية مدنين حوالي 500 مهاجر تم إنقاذهم في البحر.
رئيس فرع الهلال الأحمر التونسي في ولاية مدنين منجي سليم قال لمهاجرنيوز “هذا العام استثنائي على مختلف المقاييس. خلال شهر حزيران/يونيو أنقذ حرس الحدود 700 مهاجر وأعادهم إلى جرجيس. هذا عدد كبير من المهاجرين والأعداد مستمرة بالتزايد”.
يوجد حوالي 1200 شخص في مراكز الإيواء جنوب تونس، بحسب سليم، “العدد يتغير بشكل مستمر. الكثير من الأشخاص يخرجون ويحاولون الهجرة من جديد أو العبور إلى ليبيا للهجرة من هناك”.
الأزمة الصحية تزيد من تعقيد الأمور، فعلى سبيل المثال، عند اعتراض مهاجرين وإعادتهم إلى تونس لا يمكن وضعهم مع آخرين كانوا هناك سابقا، وذلك للحد من انتقال فيروس كورونا. إذ من المفترض عزل الوافدين الجدد وإخضاعهم للحجر الصحي للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس.
كما أن عمليات الاعتراض التي ينفذها خفر السواحل التونسي لا تقتصر على القوارب التي تنطلق من سواحله، وإنما في بعض الحالات يمكن للقوات التونسية اعتراض القوارب المنطلقة من سواحل ليبيا المجاورة والتي تمر في المياه التونسية.
خلال النصف الأول من العام الجاري، قالت المنظمة الدولية للهجرة إن حوالي 1000 مهاجر فشلت محاولتهم بالهجرة من ليبيا إلى أوروبا عبر البحر، ووجدوا أنفسهم عالقين في تونس.
مظاهرات في القيروان بسبب “تخاذل” السلطات
القوارب المنطلقة من تونس لا تحمل فقط المهاجرين القادمين من الدول الأفريقية المجاورة، وإنما أيضا الكثير من التونسيين الهاربين من واقع الوضع الاقتصادي والاجتماعي آملين بالحصول على حياة أفضل.
خلال يوم الأحد 15 آب/أغسطس وحده، أحبطت السلطات 8 محاولات هجرة عبر البحر وأنقذت 124 شخصا، أغلبهم من التونسيين وبينهم 20 شخصا يحملون جنسيات دول إفريقية مختلفة. كما تمكنت وحدات الحرس الوطني العاملة بجهات المهدية والهوارية وجرجيس وجبنيانة من “ضبط 17 شخصا كانوا بصدد التحضير للمشاركة في عمليات اجتياز الحدود البحرية خلسة، وحُجز لديهم مبلغا ماليا من العملة التونسية والأجنبية ومحركات بحرية وكمية من المحروقات”، بحسب وزارة الداخلية.
في مدينة القيروان وسط غرب تونس، احتج السكان وعمدوا إلى إغلاق الطرق وحرق عجلات مطاطية إثر غرق قارب الأسبوع الماضي ووفاة حوالي 18 شخصا من سكان هذه المدينة واختفاء شابين اثنين بعد محاولتهم الهجرة عبر البحر انطلاقا من سواحل المهدية غرب البلاد.
وقال أحد أهالي الضحيتين إن المنطقة تشهد حالة من الاحتقان والتوتر واحتجاجات عارمة بسبب “تخاذل” السلطات وعدم الجدية في عملية البحث عن المفقودين في البحر.
وتجاوزت نسبة التونسیين الواصلین إلى إیطالیا بطریقة غیر نظامیة خلال النصف الأول من هذا العام الـ14% من عدد الوافدين الإجمالي، ما جعلھم في المرتبة الثانیة من حیث الجنسیات الواصلة إلى إیطالیا. كما أن نسبة القصر التونسیین من مجموع القادمين التونسیین إلى إیطالیا تبلغ نحو 24% خلال عام 2021، مع تسجيل وصول 227 من القاصرين غير المصحوبين بذويهم.
يضاف إلى العوامل الاقتصادیة والاجتماعیة التي تدفع التونسيين إلى الهجرة، الظروف الصعبة للقصر والأطفال من حیث “الانقطاع المدرسي وأزمة مؤسسات رعایة الطفولة إضافة إلى ما تعانیه العائلات من صعوبات عمقتھا آثار الجائحة”، بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
عام مأساوي
محاولات الهجرة لا تخلو من الحوادث المميتة ليس فقط عبر البحر وإنما عبر الحدود البرية حيث تعتبر تونس أحد أهم نقاط الانطلاق للمهاجرين الأفارقة، وليل الأربعاء الماضي عثرت الوحدات الأمنية في ولاية توزر على جثث ستة مهاجرين قرب الحدود التونسية الجزائرية تعود لامرأتين و4 أطفال من إفريقيا جنوب الصحراء، كانوا يحاولون اجتياز الحدود بطريقة غير نظامية.
تمكنت وحدات تابعة للحرس البحري في تونس بين ليل الاثنين والثلاثاء، من إنقاذ 198 مهاجراً، بينهم 60 مهاجرا من جنسيات أفريقية مختلفة والباقي من التونسيين، فيما لفظ البحر، 4 جثث على شواطئ مدن الحمامات، والهوارية، ومنزل تميم.
منذ بداية العام، تجاوز عدد الضحایا والمفقودین على الشواطئ التونسیة 254، بحسب المنتدى التونسي، “كل المؤشرات توحي بأن ھذه السنة ستكون الأكثر مأساویة في ظل غیاب أي منظومة متكاملة للإنقاذ”.