ألمانيا بالعربي
آرفايلر المنكوبة بالفيضانات.. المتطوعون يهرعون من كل صوب لغسل جراحها
“تلك السيارة فوق الشجرة، إنها سيارتي” تقول سورية من حسن حظها أنها كانت في الطابق الثاني في منزل ببلدة آرفايلر. 90 قتيلا ومئات الجرحى ومتطوعون من كل مكان يحاولون مساعدة السكان. DW عربية زارت البلدة المنكوبة بالفيضانات.
فيضانات الموت تصفها الصحافة الألمانية، وبلدة آرفايلر التي تبعد نحو 20 دقيقة بالسيارة عن مدينة بون، بلدة منكوبة عن آخرها تقريبا، عدا المناطق المرتفعة منها، أما القريبة من النهر في وادي البلدة فإن الوضع مأساوي. إذ قتل فيها حتى الساعة 90 شخصا، وهو الرقم الأعلى بين البلدات المنكوبة.
“لم يستغرق الأمر سوى نصف ساعة بين لحظة اجتياح سيول الفيضانات الهادرة وبين لحظة الهروب من المنزل”، يروي رجل سوري مقيم في ألمانيا لنا قصة تلك الليلة المرعبة. يتحدث بينما يحاول العبور من بين أنقاض شقته التي سمح لنا بالدخول إليها، أو الأحرى القول التجول فيما تبقى منها. فالأنقاض والطين والمياه تغمر المكان. يتكلم بحزن وحوله أنقاض غريبة لا يعلم من أين جاءت إلى شقته، أحذية أطفال، ملابس، أثاث، حتى سيارة دخلت إلى نافذة منزله بعد أن رمت بها السيول الجارفة.
تأمل السوري الذي رفض الكشف عن اسمه، صورة الحطام التي يغط بها المكان وقال: “كنت مستلقياً على الأريكة بينما كانت الأمطار تتساقط، فجأة رمت جارة لنا بحجر إلى نافذة المنزل، محذرة إيانا، فالسيول بدأت تغمر البلدة”. فتح السوري النافذة فشاهد السيارة متجه إلى نافذة المنزل مباشرة، فما كان منه إلا أن أخذ أطفاله وزوجته وهرب من المنزل قبل أن يرتفع منسوب المياه أكثر فأكثر.
بلدة منكوبة
“فيضانات الموت” تصفها الصحافة الألمانية، ومنطقة بلدة آرفايلر التي تبعد نحو 20 دقيقة بالسيارة عن مدينة بون، أُعلنت منطقة منكوبة بعد أن دمرت السيول مدنها وقراها عن آخرها تقريبا، عدا تلك المرتفعة منها. أما القريبة من نهر الآر في وادي البلدة فإن الوضع مأساوي فيها، إذ قُتل هناك حتى الساعة 90 شخصاً، وهو الرقم الأعلى بين المناطق المنكوبة.
الدمار في كل مكان، زرنا البلدة في الصباح الباكر، ومع مرور الوقت بدأت الحركة تدب في جنباتها، السكان ممن حالفهم الحظ ولم يُقتلوا أو كانوا خارجها عند حصول الفيضان، يرمون بأغراضهم إلى الخارج. أجهزة كهربائية، أثاث، ملابس، وكذلك الطين والوحل الذي يملأ المنازل. كل شيء تقريبا يُرمى إلى الخارج، والمتضررون الأشد هم سكان الطابق الأرضي في كل منزل. بعض المنازل جرفها الفيضان، أقبية العمارات والمنازل مليئة بالمياه، البعض يحاول إخراج المياه من القبو أو من مواقف السيارات تحت الأرض. سيارات محطمة، بعضها معلق على جذوع الأشجار التي بقيت صامدة، بعضها مسحوق تماماً كقطعة خردة.
غرباء جاؤوا للمساعدة
الشرطة تحاول تنظيم الحركة مع مرور الوقت، نساء ورجال بمختلف الأعمار يحملون المجارف والمكانس، غرباء عن البلدة وآخرون لديهم أصدقاء أو أقارب قدموا للمساعدة، متطوعون من كل مكان.
ثلاث سيدات في منتصف العمر ينظفن مقدمة منزل من المياه والطين الراكد، جئن لمساعدة صديقة لهن غمرت مياه الفيضان منزلها تماماً، أكثر من عشرة أشخاص وزعوا العمل بينهم، واحد يرفع الطمر، السيدة صاحبة المنزل تقرر الأشياء التي يجب رميها، فيحملها آخرون إلى الخارج، رجل يحاول تشغيل مضخة المياه لسحب مياه الفيضان من القبو.
قالت لنا إحدى السيدات الثلاث: “جئنا لمعاونة صديقتنا، الوضع مأساوي”. سألت عن الفترة التي يتوقعن البقاء فيها، محاولاً معرفة ما أمكن إنجازه، أجبن بالقول: “حتى يوم غد الأحد، الجميع في انتظار مساعدة الدولة والجهات المختصة، لكن حتى قدوم المساعدة سنفعل ما بوسعنا”.
كلاوس، جاء أيضا ليساعد، رجل في بداية الخمسين من العمر، لا أصدقاء له في البلدة، لكنه حين سمع بالأمر، قرر الاتصال بدائرة الإطفاء والإنقاذ في البلدة متبرعا بالمساعدة. جاء من الصباح الباكر من بلدة أخرى تبعد نحو 30 كم من آرفايلر. يقول لا أحد يعلم كيف أمكن حدوث هذا، لكننا سنساعد، الحياة تستمر.
كلاوس متطوع جاء لمساعدة سكان أهل آرفايلر.
كلاوس، جاء هو الآخر ليساعد، رجل في بداية الخمسين من العمر، لا أصدقاء له في البلدة، لكنه حين سمع بالأمر، قرر الاتصال بدائرة الإطفاء والإنقاذ في البلدة متبرعاً بالمساعدة. جاء من الصباح الباكر من بلدة أخرى تبعد نحو 30 كم عن آرفايلر. يقول: “لا أحد يعلم كيف أمكن حدوث هذا، لكننا سنساعد، يجب أن تستمر الحياة”.
قراءة الوجوه توضح من فقد منزله أو أغراضه ومن الذي جاء لغرض المساعدة. البعض عصبي وغير ودود على الإطلاق ولا يرغب في الحديث إلى الصحافة، بينما يبتسم آخرون لنا، نقول لهم، لن نسألكم كيف حالكم، فالحال واضح تماماً، لكننا نسألكم أي نوع من المساعدة تحتاجون؟ يبتسمون بألم، ويقولون كل أنواع المساعدة.
سيارتي فوق الشجرة
لا كهرباء ولا ماء صالح للشرب، ولا حتى مكان للمبيت، وكما يبدو فإن المنازل باتت غير صالحة للسكن لأشهر قادمة وبعضها آيل للسقوط. جوان طيار، سوري آخر يعيش هنا ويعمل كحدائقي، زوجته تكاد تسقط من الأعياء، جاء مع أمه محملاً السيارة بالطعام والشراب والمياه الصالحة للشرب، تجولنا في شقته، لا شيء صالح فيها للاستعمال، الشقة أشبه بمستنقع مليء بالطين والمياه، آثار المياه واضحة على ارتفاع أكثر من مترين، لكنه مع زوجته يحاول تنظيف المنزل منذ أمس، يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. عند حدوث الكارثة هرب مع زوجته إلى الطابق العلوي حتى انحسرت المياه قليلاً.
يعيش في بلدة آرفايلر عدد من اللاجئين السوريين.
جوان مازال تحت تأثير الصدمة، فقد الشاب السوري كل ما يملك، وتمكن من إننقاذ أوراق رسمية فقط.
في الشقة فوق شقة جوان تسكن أسرة سورية أخرى، تحدثت ربة المنزل إلينا من شرفة منزلها، قالت: “وضعنا بخير، لم تصلنا المياه، لكن أنظروا، شاهدوا تلك السيارة المعلقة بطرف جذع الشجرة، هذه سيارتي”.
في فناء هذه العمارة التي يسكنها لاجئون سوريون تشاهد شجرة عملاقة ساقطة وسط الفناء، سألت جوان إن كانت هذه الشجرة العملاقة قد قُلعت من مكانها؟ أجاب بالنفي، هذه الشجرة لم تكن مزروعة هنا، جلبها السيل.
يروي جوان ، كيف أن رجلاً ألمانياً غمرت المياه سيارته، حاول جوان الاتصال برجال الإطفاء ورجال الإنقاذ لمساعدته، لكن الخطوط كانت مقطوعة، قفز الرجل فوق سيارته التي جرفها السيل إلى بناية أخرى، كان من حسن حظ الرجل أن البناية قيد الانشاء، فتمكن من الصعود إليها والنجاة بحياته.
آرفايلر .. بلدة سحقتها الفيضانات في ألمانيا ومن بين الضحايا عرب وسوريون نجوا بإعجوبة من موت محقق! DW عربية زارت البلدة المحطمة والتقت بعضا منهم#فيضانات #ألمانيا pic.twitter.com/zjj2OpEljQ
— DW عربية (@dw_arabic) July 17, 2021
سكان البلدة مازالوا تحت الصدمة، إلا أن حضور المساعدة من معارفهم ومن غرباء يرفع من معنوياتهم قليلاً، الفوضى تعمّ المكان، لكن السكان ومساعديهم يحاولون إعادة الحياة وترتيب أوضاعهم في انتظار قرارات الحكومة. آرفايلر الواقعة في ولاية راينلاند بفالس اكثر بلدة فقدت من سكانها، تسعون شخصاً والعدد مرشح للارتفاع نظراً لارتفاع عدد المفقودين. العدد في ارتفاع في ولاية شمال الراين ويستفاليا أيضاً، والشرطة تتحدث عن اكثر من 130 قتيلاً في عموم غرب ألمانيا، وأكثر من 600 آخرين مصابين، وهناك المئات ممن فُقدوا والبحث جار عنهم.
البلدة تحاول لملمة جراحها والسكان والمتطوعون يحاولون تنظيفها وتنظيف منازلهم من آثار الكارثة، التي ستبقى فترة طويلة، فكثير من المنازل باتت غير صالحة للسكن لأشهر أو أسابيع. بينما تتجول في الطرقات يزداد عدد المجارف والمكانس، متطوعون بملابس نظيفة، لن يستغرق الوقت طويلا حتى تتحول ملابسهم إلى قطع مليئة بالطين.
عباس الخشالي (آرفايلر، غرب ألمانيا)