منهم من لم يعد يتذكر عن بلده سوى مشاهد الخراب والتدمير، ومنهم من علقت بذاكرته لقطات فرح عاشها قبل أن تدوس الحرب على كل ما هو جميل ببلاد الشام. هكذا هو حال الأطفال اللاجئين الذين فروا من الحرب في بلدهم ووصلوا إلى ألمانيا. مهاجر نيوز تحدث مع أطفال سوريين استقروا في ألمانيا، أدلوا برأيهم في إمكانية العودة إلى بلدهم، وتطلعاتهم لفرصة الحياة الجديدة في الوطن الجديد.
“لا أفكر في العودة إلى سوريا إلا لزيارة عائلتي عندما تتغير الأوضاع، أما أن أستقر هناك فهذا مستحيل”، بهذا تستهل آية حديثها لمهاجر نيوز، لاجئة يافعة تبلغ من العمر 17 سنة ووتتابع دراستها في ألمانيا حيث استقرت هي وأسرتها منذ 2014 بعد رحلة لجوء شاقة. وتتمنى آية في المقابل أن تتحسن الأوضاع في بلدها “فمشاهد موت الأطفال بالقذائف أو جوعاً مؤلمة للغاية، ورغم بعدي إلا أن سوريا تظل بقلبي”.
ولا يختلف رأي رائد البالغ من العمر 14 سنة في شيء عن آية، إذ يقول “لا أفكر في العودة أبدا إلى سوريا بل أود البقاء هنا في ألمانيا إلى الأبد”. وعند سؤاله عن السبب رد الطفل بالقول “لم أعش أجواء الحرب هناك ولا أتذكرها لأني قدمت إلى ألمانيا صغيراً مع أسرتي، لكني سمعت الكثير وشاهدت الدمار الذي لحقها على التلفاز وأيضا ما يحكيه والداي”، لذلك يدرك المتحدث أن الحياة في ألمانيا أفضل بكثير مما هو عليه الوضع في سوريا.
راما ذات الـ 17 ربيعاً، تجيب بصوت حزين “سوريا انتمائي وجنسيتي وبلدي، أفكر في زيارتها بعدما تتغير الأوضاع لكني لا أفكر مطلقا في العيش والاستقرار هناك”، ولا تخالفها إيمان الرأي، وهي شابة حاصلة على شهادة الثانوية العامة في ألمانيا ومقبلة على ولوج الجامعة، التي عاشت بداية حياتها في الإمارات قبل أن تعود أسرتها إلى موطنها، بعد ثلاث سنوات من استقرارهم بسوريا اندلعت الحرب فلم يكن أمامهم سوى المغادرة نحو ألمانيا.
إيمان تمكنت برفقة أسرتها من الاستقرار بألمانيا منذ كان عمرها 14 عاماً، تعلن عن حبها لبلدها واعتزازها بالانتماء إليه، لكن “عندما أفكر في المستقبل لا أضع أبدا العودة إلى سوريا من ضمن الخطط”.
وفي تعليق له عن آراء الشباب السوريين في العودة للوطن، اعتبر كريم الواسطي، خبير شؤون الهجرة واللجوء وعضو مجلس شؤون اللاجئين في ولاية ساكسونية السفلى، أن رفض الأطفال والشباب النازحين المتابعين للأحداث العودة إلى سوريا أمر “منطقي للغاية”، لأنهم – في نظره – لا يرون آفاقاً للوضع في بلدهم مستقبلا.
واستحضر المتحدث الإحصائيات المرتبطة بالنازحين الذين يصل عددهم 6 ملايين سوري يعيش مُهَجَراَ داخل البلد، وأكثر من 5 ملايين خارج البلد يعيشون في مختلف مناطق العالم في ظروف مختلفة. معتبراً أنها “أزمة انتهكت فيها كل الحرمات، لا يرى لها المجتمع الدولي في الأفق حلولاً قريبة”.
إعادة الإعمار
وإن كانت العودة إلى الوطن للاستقرار فيه مستحيلة بالنسبة للشباب السوريين، فإنهم أعربوا عن رغبة شديدة في المساهمة في إعادة إعمار وطنهم الذي تعرض للتخريب والتدمير على مدى عشر سنوات.
آية، تحلم أن تصير مهندسة معمارية، وتعتبر أنها لن تتردد إذا احتاجها بلدها بعد تغير الظروف الحالية، مبرزة أنها مستعدة “لزيارة سوريا للمساعدة، ثم أعود للبلد الذي أتيحت لي الفرصة للاستقرار فيه”. و ترى لين بدورها في هذا الحل أيضا فرصة لعدم التخلي عن بلدها، دون أن تتخلى بدورها عما تتمتع به من استقرار في حياتها، وتقول “أريد أن أصبح دكتورة وممكن أذهب إلى سوريا لمساعدة الناس ثم أعود لألمانيا”.
من جهتها، فكرت راما أن المساعدة في إعادة إعمار بلدها يمكن أن يتحقق عن طريق جمعيات أو مشاريع خيرية، دون العودة إلى هناك. قائلة “لا أفكر أبدا في تغيير مكان إقامتي أو الذهاب لمكان آخر خصوصاً بعد إتقاني للغة واندماجي في المجتمع الألماني”.
أما إيمان فقد حصلت على مقعد لدراسة تخصص طب الأسنان في ألمانيا وتعتزم الظفر بالشهادة بمعدلات جيدة جدا لتضمن مستقبلا جيدا وتفتتح عيادة خاصة. لا تتملص الشابة السورية من واجبها تجاه بلدها إذ تقول “أتمنى أن أساهم في ذلك من هنا دون العودة إلى سوريا. لأني لا أريد العودة إلى بلد اختفى منه أهلي وجيراني وبيتي، كل هذا اختفى”.
ومن جهته لا يفكر رائد أبدا في الذهاب إلى سوريا، ويقول “هنا وجدت أسرتي العديد من الأشخاص الذين ساعدوها ونتوفر على كل ما نريد. أريد أيضا بعد التخرج أن أعمل وأساعد من يحتاجني من أبناء بلدي هنا وأن مستقر في ألمانيا”.
لكن من وجهة نظر كريم الواسطي، خبير شؤون الهجرة واللجوء، فـ “إعادة إعمار سوريا تقع على عاتق المجتمع الدولي الذي أخفق في حل النزاع وإيقاف الأزمة وأيضا في إعانة اللاجئين الذين هُجروا قصراً”. معتبراً أن “دول الجوار تُركت لتعاني المأساة بنفسها مثل لبنان، حيث يعيش اللاجئون تحت خط الفقر بكثير”.
الوطن الجديد
تحدث استطلاع قامت به منظمة “أنقذوا الأطفال” الإغاثية بعنوان “أي مكان ما عدا سوريا”، عن تعرض بعض الأطفال للتمييز في البلدان حيث أجري الاستطلاع (تركيا ولبنان والأردن وهولندا ومناطق في سوريا تسيطر عليها الحكومة السورية). عكس ذلك، أوضح الأطفال الذين تواصل معهم مهاجر نيوز هنا في ألمانيا، أنهم اليوم يعتبرون أنفسهم في وطن جديد، منحهم ما سلب منهم في سوريا بسبب النظام القائم والحرب والتدمير، تعلموا لغته واندمجوا مع مواطنيه ورسموا طريقاً واضحاً فيه لمستقبلهم.
وعلقت آية على الفكرة بالقول ” في ألمانيا حققت إنجازات جديدة ومستقبلاً جيداً، التواجد هنا بالنسبة لي فرصة حياة جديدة”. هذا الإحساس نابع عن استقرار على مستوى التعليم حيث أوضحت الطفلة أن مستواها صار أفضل بكثير بعدما تغلبت على حاجز اللغة”.
من جهتها اعتبرت راما أن ألمانيا حققت لها الأمان والاستقرار ومستقبلا أفضل، فألمانيا في نظرها “بلد متطور يمنحني فرص كثيرة، كما أن التعليم مجاني حتى المرحلة الجامعية وتوجد فرص عمل كثيرة”.
أما إيمان فقد ذكرت بأن السوريين واجهوا العديد من المشاكل مثل البيروقراطية”. لكنها تعتبر أنه بعد التنقل بين العديد من الدول في رحلة أسرتها للبحث عن وطن جديد فقد وجدوا أخيرا ما تمنوه في ألمانيا، معتبرة أن بعدها عن أفراد عائلتها ممن لم يتمكنوا من الوصول إلى ألمانيا أمر صعب لكنها تتمنى أن يتحقق لقاؤهم هنا في ألمانيا.
من جهته، فيلخص رائد الوضع بقوله “أحس بالأمان مع عائلتي في ألمانيا، المستقبل هنا أفضل بكثير. ففرص العمل وإمكانية التعلم أفضل بكثير، فضلا عن توفر إمكانية تحقيق كل ما يريده المرء بالاجتهاد ودون خوف وتفكير”. ويضيف “بعدما تحقق لي الاستقرار واندمجت مع أصدقائي هنا لا أريد أن ينتزع مني هذا مرة أخرى”.
وعلق خبير الهجرة واللجوء، كريم الواسطي، اعتبر أفكار هؤلاء الشباب حول ألمانيا منطقية للغاية، لكونهم “وجدوا فيها وطناً جديداً”، معتبراً أنهم جاؤوا إلى هنا في فترة صعبة جدا ومهمة من حياتهم وبنوا كل شيء من الصفر، مشيراً أنه بذلك ” فقدت سوريا أجيالاً من أبنائها”.
وشدد المتحدث في المقابل، أن مسألة القيام بالواجبات الإنسانية والالتزام بالواجبات الدولية تجاه هؤلاء الأشخاص، يجب أن تكون خارج نطاق الربح والخسارة. معتبرا أن “هؤلاء اللاجئين يعدون اليوم فائدة كبيرة وربح للمجتمعات المستقبلة لهم خاصة الأوروبية، فهم طاقات وتغيير ديموغرافي كبير، أتى نتيجة للهروب من بلدان إلى أخرى باحثين عن الحماية”.
ماجدة بوعزة